الشيخ محمدحسين سيبويه (قدس سره)

الشيخ محمدحسين سيبويه (قدس سره)

آية الله الشيخ محمد حسين سيبويه (قدس سره)  2008/5/14

 

علم من أهل العلم و الفضيلة وأحد أبرز علماء الدين بالحوزة العلمية في مدينة مشهد المقدسة

التقيناه في مدرسته (مدرسة الإمام الحسين عليه السلام)  في مدينة مشهد المقدسة وكان يهمّ بإعطاء الدرس لطلبته الذين تجمّعوا بكثرة وهم ينتظرون درس البحث الخارج، وعندما طلبنا لقاءه (وبعد أن عرّفه بنا السيد علي الميلاني رحمه الله)وعرف بأنّنا من النجف الاشرف ومن خدمة أمير المؤمنين عليه السلام، رحّب بنا كثيراً وآثر الحديث معنا كرامة للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وللمدينة التي تربّى وترعرع فيها ونهل من نمير علومها، فكان حديثه طيباً كطيب أخلاقه، حديث مودّع لهذه الدنيا، موقناً بشفاعة من تولّاهم محمد وآله الطاهرين.

وقد كان لسماحة المرحوم السيد علي الميلاني (قدس سره) الفضل الأكبر في تهيئة الأمور من أجل إتمام هذا اللقاء، فقد جاء بنا سماحة السيد الميلاني إلى المدرسة التي يدرس فيها سماحة الشيخ سيبويه وعرّفنا به، وأخذ السيد علي الميلاني يلاطف الشيخ ويذكّره بأيامه وبذكرياته الجميلة في النجف الاشرف، وقد كنا ننظر للشيخ وهيبته ووقاره،وقد أثّر فينا هذا الشيخ الجليل بصورة كبيرة من طريقة حديثه، وشدّة خشيته لله تعالى، واستعداده للموت، ثمّ بدأنا حديثنا معه.

سماحة الشيخ الجليل نبدأ بالحديث عن الولادة والنشأة:

أنا العبد الفقير لله المدعو محمد حسين سيبويه، والدي هو آية الله العظمى الشيخ محمد علي سيبويه الحائري، لا أتذكر سنة ولادتي بالتحديد ـ أخبرنا السيد علي الميلاني بأن عمره أكثر من ثمانين عاماً ـ، ولكني ولدت في مدينة كربلاء المقدسة، وانتقلت مع والدي منذ الصغر إلى مدينة النجف الأشرف، تلك المدينة المباركة بوجود جسد ولي الله الأعظم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، بالإضافة إلى تجمع العلماء الأعلام والحوزة العلمية، فهي المنطلق الفكري لطلاب العلم.

شيخنا الأجل متى بدأتم دراستكم الحوزوية؟

بدأت الدرس الحوزوي منذ الصغر في كربلاء، فبدأت بدراسة المقدمات، وقد هيأ لي والدي أسباب الدرس ومتطلباته، وكان هو (رحمه الله) تعالى الأستاذ الأول لي.

أبرز أساتذة سماحة الشيخ آية الله سيبويه:

أول أساتذتي هو والدي المرحوم سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد علي سيبويه، وبعدها درست عند سماحة الشيخ محمد علي السنبلي، وسماحة الشيخ الخطيب، وعند آية الله السيد هادي الميلاني، والشيخ آية الله يوسف الخراساني.

الانتقال إلى مدينة النجف الأشرف والدخول في حوزتها العلمية:

لا بد لطالب العلم من الدراسة في النجف والتعلم على يد علمائها الأعلام، فقد درست السطوح والبحث الخارج وكان من أبرز أساتذتي آية الله محمد باقر الزنجاني، وآية الله الشيخ ميزرا حسن اليزدي وآية الله العظمى محمد حسن البروجندي، وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي، ودخلت لأيام قلائل في درس آية الله السيد الخميني (قدس سره).

كان لكم في النجف الأشرف مجلس كبير في جامع الشيخ الطوسي:

بفضل الله تعالى كنا مجموعة من الطلبة، نجتمع أسبوعياً في مسجد الطوسي، فنتحدث ونتحاور، وتطوّر الأمر إلى قيام مجلس أسبوعي في هذا الجامع المبارك، لكن البعض ـ سامحهم الله ـ أغاضهم هذا المجلس فعملوا على إلغائه، فقررنا أن يستقر هذا المجلس في البيوتات على أن يكون في كلّأسبوع عند أحد البيوت، فكنا نجلس ونتحدث ونتباحث في التفسير والأخلاق والفقه والعقائد، وبعد فترة من الزمن وبسبب تصدّع جامع الطوسي قاموا بهدمه وبنائه من جديد. وقد حدثني سماحة آية الله السيد محمد تقي بحر العلوم أنّهم أثناء تعمير الجامع وترميم قبر شيخ الطائفة الطوسي أنهم وجدوا كفنه لم يتغير فضلاً عن الجسد، وهذا من كرامات هذا الشيخ المبارك وهذا الجامع المبارك، وبعد إكمال بناء الجامع جاءني سماحة آية الله السيد محمد تقي بحر العلوم وقال لي: (بأنّ الشيخ يحيي الشيخ) أي الشيخ سيبويه يحيي مسجد الشيخ الطوسي، وبالفعل بدأت بالقراءة هناك، وكان مجلساً كبيراً يحضره الكثير من العلماء وأصحاب الفضيلة والناس، وكان الجامع يغصّ بالحضور وذاع صيت المجلس كثيراً.

ما هي ذكرياتكم عن تلك المجالس؟

كنا نقيم  المجلس أسبوعياً، وفي أيام شهر رمضان نقيمه يومياً، وقد كان الناس يزدحمون في الجامع، وخصوصاً في أيام ذكرى شهادة الإمام علي عليه السلام،فكان الجامع يمتلئ عن آخره ويخرج الناس إلى خارج الجامع وفوق سطح الجامع، وقد طلب مني القائمين على المجلس بتعجيل الفرج للقيام من أجل استيعاب الناس، وقد طلبوا في أكثر من مرة، فقلت لهم لكل إنسان حجم ولا يمكن استيعاب المزيد، فليس لدينا معجزة لاستيعاب كل الناس في المسجد.

كيف تم إبعادكم عن النجف الأشرف؟

في السنوات التي بدأت شهرة المجلس تتسع شيئاً فشيئاً بدأ التضييق علي من قبل الأمن، وقد استدعوني أكثر من مرة إلى الأمن للتحقيق، وقد ذهبت في إحدى المرات لزيارة الإمام الرضا (عليه السلام) وعند العودة إلى مطار بغداد الدولي ونزولي أرض المطار منعوني من الدخول إلى العراق، وقالوا لي:إنك ممنوع من الدخول إلى أرض العراق، فقلت لهم: لماذا تمنعوني من الدخول إلى بلدي فأنا مولود فيه؟ فقالوا: يجب أن ترجع الآن إلى إيران، وهذا أمر مفروغ منه، ورجعت في نفس اليوم إلى إيران.

أين مقركم في إيران وما هي أبرز نشاطاتكم؟

بعد أن منعوني عدت إلى مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) ودخلت على الإمام سلام الله عليه وخاطبته قائلاً: سيدي من علي إلى علي، أتيتك خائفاً فقيراً مستجيراً وعليك توكلي واعتمادي. وقد تفضل علي الإمام الرضا (عليه السلام) بأشياء كثيرة، وكان منها استمراري بالدرس، وقد وفّقت لإعطاء الدروس في هذه المدرسة، ولبناء داراً خيرية، وأنا في كل يوم أعطي دروس البحث الخارج في هذه المدرسة المباركة.

ما هي أبرز مؤلفاتكم؟

لدي مؤلفات مخطوطة في الأخلاق والتفسير والفقه وعن حياة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) الكثير منها قد تلف وفقد.

عاصرتم العديد من العلماء الأعلام بعض الذكريات عن بعضهم:

أنقل لكم عن اثنين من علمائنا الأعلام الذين عاصرتهم لتكون ذكرى مفيدة لنا للتعلم من ورعهم وتقواهم وشدة وثوقهم بالله تعالى:

فقد كنت مع سماحة السيد آية الله العظمى محمد هادي الميلاني، وكنا في درس التفسير، وتحدّث لنا عن الاستخارة فقال: أنا عندما استخير أفوّض الأمر كاملاً إلى الله تعالى لا ما أتمناه أنا، أي إذا رغبت بعمل فارغب أن تكون الخيرة جيدة، وإذا لم أرغب به أتمنى أن تكون الخيرة غير جيدة، بل على العكس أنا اعتمد وأتكل على الله كاملاً، فأرجو الله سبحانه أن يختار لي، فهو سبحانه عليم بما هو أصلح لي.

أما الأمر الثاني الذي عرفته عن السيد الميلاني، فكان يقول: إن حق الزوجة من مهرها في أثاث البيت هو حكم مال الغير ولا أتصرف فيه إلا بإجازة منها، لأنّ الأثاث راجع لها، بالإضافة إلى ذلك كان يعطي زوجته كل شهر مبلغ من المال كإيجار لها؛ لأنها تقوم بغسل الملابس وطهي الطعام والتنظيف وليس هذا من واجبها.

أمّا آية الله الشيخ محمد باقر الزنجاني، فمن شدّة احترامه للعلماء المراجع طلبت منه مرة مسألة فقهية أن يكتبها فقال لي: أنا لا أكتب وإنما أقول شفهياً، وكان ذلك أيام مرجعية آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره)، وبعد وفاة السيد الحكيم ذهبت مع الشيخ محمد حسين الخراساني فطلبنا منه إخراج رسالته العملية إلى الساحة نظراً لحاجة الناس لها، فقال:"لا أفعل ذلك إلى آخر عمري، والحوزة العلمية ـ والحمد لله ـ زاخرة بالعلماء"،وهذا هو ديدن علمائنا الأفاضل.

شيخنا الجليل عظنا قبل أن نودعكم؟

أنا أعض نفسي أولاً وأنا في آخر عمري والموت قريب مني، وأنا صفر اليدين من الأعمال، وأفكر لساعات طويلة كيف يكون حالي غداً في القبر وماذا يكون مصيري... ، ولكني ألوذ بشفعائي محمد رسول الله وأمير المؤمنين والزهراء والحسن والحسين سلام الله عليهم ليخلصوني من تلك الليلة.