زيارة ناصر الدين شاه القاجاري ( 13 شهر رمضان المبارك 1287 هـ )

زيارة ناصر الدين شاه القاجاري ( 13 شهر رمضان المبارك 1287 هـ )

ناصر الدين شاه قاجار ( 1247 - 1313 ) من ملوك القاجار ، وقد حكم ايران في الاعوام ( 1264 - 1313 ) حيث قتل في سنة 1313 هـ و تسنم السلطة ابنه مظفر الدين شاه من بعده ، وقد كتب ذكريات سفره الى اوربا عام 1290 ، و الذي ابتدأ باريخ 21 صفر 1290 هـ ، وقد عنون بعنوان ( سفرنامه فرنكستان ).

جاء الى العراق بدعوة رسمية من الحكومة العثمانية فزار كربلاء و امر بتجديد الابنية في المشهد الحسيني ، وتبديل صفائح الذهب ، وتذهيب القبة الطاهرة السامية ، و استملك دورا فأضافها الى الصحن الشريف من الجهة الغربية ، وورد النجف في 13 شهر رمضان المبارك ، ورجع وتشرف بزيارة سلمان في 29 رمضان ، وفي 2 شوال خرج الى زيارة سامراء ، وفي 6 شوال وصل اليها وتشرف بالزيارة. 

قال عن مجيئه الى النجف الاشرف : يوم الاربعاء الثالث عشر من رمضان ، علينا ان نذهب الى النجف الاشرف ، جلست في العربة صباحا ، ( الى ان قال ) فوصلنا الى باب المدينة من جهة الكوفة ، وكان سور النجف قويا جدا بني بالآجر ، وبانيه هو الحاج محمدحسين خان الصدر الاصفهاني ، فنزلت من العربة قرب الباب و مشينا على الاقدام جميعا : الباشاوات و الوزراء ، فدخلنا المدينة ، وكانت أذن روحي تسمع : (( إنك بالوادي المقدس طوى  )) ، ولسان قلبي يقول : (( رب أدخلني مدخل صدق )).

يجب ان نعتبر هذه التربة الطاهرة و الارض المقدسة جزءا من العرش ، و آية من الجنة ، والتي هي موطن الروح ومنزل القلب ، فأحسست بروح وراحة أعجز عن وصفها.

يوجد اولا عند مدخل المدينة ساحة واسعة طويلة ، وعلى جانبها في رأس السوق دار وعمارة وطابق فوقاني مشرف على هذه الساحة ، وهو دار الحاكم ، ومن الميدان حتى باب الصحن الشريف سوق واسع مستقيم مسقف وقد عجنت الطهارة و النظافة بطبيعة هذه الارض ، و الزينة اطهر من كل مكان وأجمل ، وفي نهاية السوق دخلنا الصحن ، صحنا روحانيا واسعا جدا ، حجرات في أطرافه في طابقين قد بني بالقاشاني ، ممتاز مرتفع جدا ، اصل بنائه من السلاطين الصفويين رضوان الله عليهم ، وإن كان قد كتب اسم نادر شاه على واجهة باب الصحن ، ربما كان قد اجرى بعض التعميرات في الصحن ، لأنه قام بتذهيب القبة ، و القبة و الرواق المطهر يقع في وسط الصحن، وقد تجرد من ثلاث جهات، وضرب طاق من الجانب الشرقي بحيث اوصل الرواق والروضىة، بحيث كان الذهاب والاياب يتم تحت الطيقان كالمجاز، ومن جهة اليسار وصلنا الى منزع الاحذية، فذهبت الى الايوان وكان سادن الروضة السيد جواد بن المرحوم السيد رضا الذي قتلوا اباه في داره قبل ثلاث سنوات، وهو شاب انيس جميل الصورة، فقرا اذن الدخول والزيارة، فدخلت الروضة المقدسة، فقبلت عتبة الباب، وكانوا قد رصعوا القبة بالقاشاني البارز كالاقداح المعلقة، وقلما شوهد مثل هذا القاشاني بهذه الظرافة، فهو ادق واجلى من الترصيع على صفحات الذهب . وبناء القبة من الصفويين ايضا . القناديل الذهبية والفضية والمسرجات الشمعية وسائر المنذورات المعلقة كثيرة، وقد اسدلت الستائر الكثيرة . والضريح الفضي الطاهر ربما يكون من تبرعات الصفويين . 

وكانوا قد فرشوا الفرش الحريري والسجاد المطرز الحريري الموجود في قم ايضا هو من تبرعات المرحوم الشاه عباس الصفوي، وكان قد كتب عليه : (( كلب عتبة علي عباس ))، وقد حافظوا عليه جيدا، وكأنه قد خرج من المعمل تواً وهو فرش ممتاز وثمين . 

وعندما دخلنا كان الوقت قبل الغروب بساعتين، فصلينا في جهة الرأس صلوات الظهر والعصر والزيارة . والحمد الله قد توفقنا لهذه السعادة، 

وبعد الزيارة ذهبت الى قبر الشهيد اغا محمد شاه (( صاحب قران ميرزا ))، وكان متولي القبر قد لف عمامة صغيرة بيضاء على رأسه، وعلى القبور خامة كبيرة منحوته . قبر ام المرحوم فتح علي شاه، وقبر ام امنا، وقبر سليمان خان قاجار جدنا، وقبر حسين قلي خان اخي فتح علي شاه في غرفة صغيرة اصبحت مجمعا لأجساد الرجال والنساء لهذا الطائفة (رحمة الله عليهم) . 

ومن هنا تجولنا قليلا في الرواق، وكان الحاج حمزة الخوئي التاجر يزين الرواق بالمرايا بصورة جيدة، وكان الحاج حمزة نفسه حاضرا، فاردته، استحسنت ومجدت، وقلت لأمين الملك ان يخلع عليه وساما وخلعة وحكما للتشجيع لكي يتم هذا العمل الناقص . 

رأيت حكيم الممالك في الروضة المقدسة لا زال مريضا، ثم رجعت بنفس المراسيم ماشيا حتى وصلت باب المدينة فركبت، واجتزت وادي السلام، 

يوم السبت السادس عشر : 

عندما استيقظت من النوم اليوم كان الجو رطبا ملبدا بالغيوم، والبحر قد تلاطمت امواجه الكثيرة منذ منتصف الليل . وكان البحر متلاطما ذا صوت ممتعا وطريا جدا - وبعد تناول طعام الظهر حضر السيد حسين المجتهد التركي التبريزي، وهو من اجلة العلماء، ويرجع اهل العلم والفضل، وهو يخلو من شبه بالمرحوم الشيخ الدربندي طبعا وهيئة، مع الحاج ميرزا جواد المجتهد اخي المرحوم الحاج ميرزا باقر المجتهد التبريزي، ومعهما مشير الدولة، وبعد ساعة من الحديث معهم نهضت قاصدا الزيارة، : فدخلنا الصحن كالعادة، وزرت وصليت وقبلت مكان الاصبعين المقدسين، الذي كان معينا في الضريح المقدس، وقدمت الوسام الماسي البرلياني الذي كان على رأسي هدية لعتبة مولانا امير المؤمنين سلام الله عليه، وتعين مكانه في جهة الرأس لينصب على الجدار في محفظة زجاجية بحيث لا تصله اليد . 

قلت اليوم ليفتحوا خزانه المولى التي اغلت منذ ايام الوهابين الى الان، ولم تفتح ما يقرب من سبعين سنة، ويسجلوا جميع ما فيها من ذهب واحجار كريمة واشياء اخرى ثم تختم مره ثانية من قبل ايران والعثمانيين، حتى تحفظ من النقص والكسر والفقد . 

يقع باب الخزانة في الرواق في الجنوب الشرقي منه . كانوا يهدمون ليفتحوه . وكلف ميرزا زكي مستوفي وزيرة الحرم ان يسجل . الستارة اي الغشاء المطرز بالذهب والفضة ارسلة عضد الدولة الديلمي، واهداه ليوضع فوق القبر ايام كان القبر بلا زينة وحفاظ، من الجص والآجر ، فمنذ ذلك العهد وضع فوق الضريح والى الآن لم يصبه اي عيب ما يقرب من ثمانمائة سنة . الضريح الفضي الذي كتبت عنه انه من السلاطين الصفويين . قرأ امين الملك خطوط قبته، كتبوها باسم منوجهر خان معتمد الدولة . والخلاصة، خرجنا و كان هناك ميزاب ذهبي ايضا، نصب في سطح الرواق الى جهة الغرب، ويقال له : ميزاب الرحمة . تجولت في الصحن قيلا .

وفي المجاز الواقع خلف الصحن من جهة الرأس المقدس في الغرف الواقعة الى جهة الشرق محل للدراويش البكتاشيين، وكان لهم شيخ من اهالي اسطنبول، وكان رجلا طويل القامة ذا كريمة بيضاء وفي وجهه شامات لحمية كثيرة، اصفر اللون، خفي المذهب من الطائفة البكتاشية .

اليوم الاحد السابع من رمضان : 

....وبعد الزيارة صليت وذهبت على قبر المرحوم (( اقا محمد شاه )) وكانوا قد اخرجوا علبة جواهر من خزانة أمير المؤمنين (عليه السلام)، جاء والي باشا ووزير الخارجية ومشير الدولة وفتحوها بحضوري، فتفرجت فيها، وكانت تحتوي على جواهر نفيسة وممتازة كثيرة، وكان اغلبها من المرحوم نادرشاه الذي كان قدمها لهذه العتبة المقدسة بعد فتح الهند، فيها جواهر نفيسة، منها قطعتان كبيرتان من الماس، احدهما (( بيكاني )) والاخرى، (( ايينه ))، والتي كان احد جوانبها حك هندي، وكانتا جيدتين جدا وقيمتين، وزمردات جيدة، وياقوت نيلي جيد، ولعل ممتاز، وخرجنا بعد مشاهدتها،

يوم الاثنين الثامن عشر من رمضان : 

.....جئنا الى المنزل، ومكثنا قيلا، فتوضأت وركبت العربة نحو الصحن المقدس ، زرت وفتحوا الضريح المطهر، فكان هناك سيف جهانكشا ( فتح العالم )، مثال صورة الامام، وتربة سيد الشهداء الخاصة، وتربة ابي الفضل العباس (عليهما السلام) واخرجت ورقة دعاء بخط الامام والتي كنت قد وضعتها في الضريح المقدس للتبرك وكنت مرتديا عباءة الامام البيضاء الخلقة فصيلت عند الرأس، وتلوت سورتين من القرآن في مصحف جلي كبير كتب بخط الثلث الجيد جدا، وكانوا قد جاءوا بمقدم تاج -جيد جدا -هدية من قبل (( عليا مهد )) فتصبوه على الضريح المبارك . وكان وزير الخارجية قد اهدى خيمة من المخمل المطرز، وكان قد خاطها لهذه السفرة بصورة خاصة، وكان قد خصص الفضة المستعملة فيها لصنع باب الرواق، وكانوا ينصبون ازارتها في ازارة من حيث العرض والطول.... ، ذهبت الى مقبرة اغا محمد شاه وكان هناك الجواهر والاشياء التي كان قد اخرجها مشير الدولة ومدحت باشا من خزانة الامام امس، وكتبو قائمة بها، شاهدتها، وكان من جملتها قنديل مرصع كبير جدا قدمه علي مراد خان زند، قطع من الفيروزج  الكبيرة وبعض الجزاهر الاخرى، ولم يكن لأحجاره وذلك الامتياز، واربع قباب مرصعة ممتازة وراقية من اجل زوايا الضريح المطهر الاربعة، كان قد اهداها الشاه سلطان حسين الصفوي، وسيف مجوهر وبعض الجواهر الاخرى ومجمرة بخور مرصعة ممتازة كانت من هدايا المرحوم نادرشاه، وقنديل مرصع كبير بسلسلة ذهبية ومعلقات من اللؤلؤ الرطب الكبير الذي يحتوي على امتيازات كثيرة، كانت اهدته (( زينب بكم )) بنت المرحوم شاه طهماسب الصفوي . 

فرأيت من الاجحاف ان يبقى مكنوزا ومخفيا ويذهبون به الى الخزانة مرة اخرى، فأمرت ان يعلق في سقف القبة على الضريح المطهر، وكنت حاضرا وكان مزينا وجيدا جدا .