بيت الامام علي (عليه السلام) في الكوفة

من الآثار الباقية هو البيت الماثل الآن وسط الكوفة قرب المسجد أمام قصر الإمارة، فان الإمام (عليه السلام) لما دخل الكوفة قيل له: يا أمير المؤمنين، أتنزل القصر؟ قال: لا حاجة لي في نزوله، ولكني نازل الرحبة.

ثم أقبل حتّى دخل المسجد الأعظم، فصلى ركعتين، ثم نزل الرحبة، ثم إنه (عليه السلام) مكث بالكوفة(1) ولم ينزل – كما تقدم – في قصر الإمارة بل نزل في دار جعدة بن عبيرة.

عن الأصبغ بن نباته، أن علياً لما دخل الكوفة قيل له: أي القصرين ننزلك؟ قال: قصر الخبال لا تنزلونيه فنزل على جعدة بن هبيرة المخزومي(2).

عن عون بن عبد الله بن عتبة، قال: لما قدم علي الكوفة نزل على باب المسجد فدخل وصلى، ثم تحول فجلس إليه الناس، فسأل عن رجل من أصحابه كان ينزل الكوفة، فقال قائل: استأثر الله به. فقال: إن الله لا يستأثر بأحد من خلقه، وقرأ: (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ). قال: فلما لحق الثقل قالوا: أي القصرين تنزل ؟ فقال: قصر الخبال لا تنزلونيه(3).

فرغم وجود قصر الإمارة فيها شيد مع بنائها إلا أن الإمام علي (عليه السلام) المعروف بزهده وتواضعه، أختار أن ينزل في بيت أخته أم هاني (زوجة هبيرة المخزومي) والذي يقع في رحبة مسجد الكوفة والتي سميت فيما بعد برحبة علي، وكان البيت الذي اشتراه الإمام فيما بعد بسبعين ديناراً يقع قبالة باب السدة من مسجد الكوفة.

يقع هذا البيت إلى جانب مسجد الكوفة قرب قصر الإمارة على مسافة حوالي (100) متر تقريباً من الركن الجنوبي الغربي من مسجد الكوفة، وهو دار متواضعة ذات بناء بسيط جداً عهدناه من طريقة حياة الإمام وزهده (عليه السلام) بعيداً عن حياة القصور والملوك وزخرف الدينا، إذ استقر في هذه الدار وهي لأخته (أم هانئ) زوجة هبيرة المخزومي لقربها من المسجد، بعد أن رفض البقاء في دار الإمارة حين قدومه إلى الكوفة في شهر رمضان سنة (36 هـ)، أو حتّى بناء دار جديدة له.

وذكر ابن بطوطة(4) الرحالة في رحلته التي هي في حدود السبع مائة من الهجرة، وهو من العلماء الخبيرين، وقد ساح في البلدان إلى أن وصل مدينة الكوفة فقال في ذكر المحراب ما نصه: وفي ظهره خارج المسجد بيت يزعمون أنه بيت نوح، وبإزائه بيت يزعمون أنه متعبد إدريس، ويتصل بذلك فضاء متصل بالجدار القبلي من المسجد يقال: إنه موضع إنشاء سفينة نوح (عليه السلام) وفي آخر هذا الفضاء دار علي بن أبي طالب والبيت الذي غسل فيه، ويتصل به بيت يقال أيضاً أنه بيت نوح (عليه السلام).

وللبيت مدخل واحد يطل على ساحة الدار المطلة على حجرات الإمامين الحسن والحسين (عليها السلام) ومكتبتهما ومصلاهما، فضلاً عن حجرة تغسيله بعد استشهاده (عليه السلام)، مع بئر للماء العذب يتبرك به الزائرون بالشرب والغسل ودفع بعض الأمراض إيماناً منهم ببركته.

إن أول ما يصادفك فيه ساحة صغيرة على يساره غرفة صغيرة مقوسة السقف كتب عليها غرفة الحسن والحسين (عليهم السلام).

وعلى اليمين غرفة كبيرة كتب عليها: هذا مغتسل أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد استشهاده (عليه السلام) يصلّي فيها الزوار ويقرؤون ما تيسر من القرآن والأدعية والزيارات قريباً من محراب كتب فوقه هذا موضع جلوس الإمام الحسن (عليه السلام) عند وفاة والده (عليه السلام). وعلى يمين هذه الغرفة منفذ يؤدي إلى عدة غرف كانت لبنات الإمام علي (عليه السلام) ثم ينتهي البيت بغرفة فيها بئر ذكر أن الإمام (عليه السلام) قد حفرها، وهناك يناولك الخادم كأساً من ماء البئر لتشربه تبركاً.

ذكر العلامة السيد عبد الله شبر في مزاره فقال: وأما بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو وإن لم ترد في زيارته والصلاة فيه رواية، إلا أنه لما كان مشرفاً بسكناه فيه، فالدعاء والصلاة فيه لا تخلوان من فضل عظيم، وقد وردت أخبار مطلقة في تعظيم مساكنهم ومشاهدهم.

هذا البيت الذي يتميز ببساطته وتواضعه مساحته الصغيرة 370م2 ويضم خمس غرف وتتوسطها باحة مكشوفة (أي أنه ينتمي إلى العمارة العراقية) وفي الباحة بئر كان الإمام علي (عليه السلام) كان لابد من وجود مكتبة انتهل منها الإمامان الحسن والحسين (عليهما السلام) المعارف والعلوم المختلفة؟ فضلاً عن قراءة القرآن الكريم وتفسيره وعاش في هذا البيت مع الإمام علي (عليه السلام) وولداه الحسن والحسين وابنته زينب.

وقد جرت مؤخراً عليه عمليات الصيانة مع الاحتفاظ بتصميمه الأصلي واستخدام مواد البناء نفسها مع إضافة لا تؤثر على الأصل تستخدم لخدمة الزائرين الذين يتجاوزن الملايين سنوياً.

ففي 1385 هـ / 1966 م قام المحسن الحاج فاضل محمد غفوري البغدادي وبسعي هادي صالح شبع واشراف الحاج شاكر شبع والشيخ راضي مارد بتشيد جبهته وباب المدخل.

وفي عام 1966م تمت صيانة وتغليف جدرانه الداخلية واستبدال أبوابه ونوافذه وتغليف القبة بقاشاني جديد(5).

 

 


(1) نصر بن مزاحم، وقعة صفين، ص 8.

(2) نصر بن مزاحم، وقعة صفين، ص 5.

(3) نصر بن مزاحم، وقعة صفين، ص51، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج3 ص 105.

(4) هو شمس الدين – شرف الدين – أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المغربي، ولد سنة 703 بطنجة وتقلب في بلاد العرب ومصر والشام واليمن والهند ودخل مدينة دهلي واتصل بملكها وساح في الأقطار الصينية والتترية وأواسط أفريقية وبلاد السودان والأندلس، ثم انقلب إلى المغرب واتصل بالسلطان أبي عنان من ملوك بني مدين، وزار ضريح أمير المؤمنين (عليه السلام) سنة 725، واستغرقت رحلته 27 سنة وكان معاصراً لفخر المحققين ابن العلامة الحلي، وألف كتابه: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، المعروف برحلة ابن بطوطة، ومات في مراكش سنة 779.

(5) د. كامل الجبوري، مقال حول البيت في مجلة السفير ع29 ص10.