مسجد الامام علي (عليه السلام) في النخيلة

في مدينة الكفل، وعلى بعد حوالي 22كم من الكوفة وعلى الطريق الواصلة بينها وبين مركز الحلّة تتراءى للمسافر وسط النخيل منارة إسلامية عتيقة قد أشرأبت، هي منارة مسجد . وإلى جانب هذه المنارة قبة بنيت على الطريقة السلجوقية هي قبة مرقد (ذو الكفل)، يعد أقدم معلم ديني وأثري في المنطقة.

النخيلة تصغير نخلة موضع من مواضع الكوفة القديمة هو اليوم لا يخرج عن حدود مدينة الكفل الحالية وكان يعرف قديماً باسم (بر ملاحة) واليهود يسكنوها من عهد السبي البابلي الأول والثاني ورد ذكر النخيلة كثيراً في العصر الإسلامي وهو الموضع الذي خرج إليه الإمام علي لما بلغه ما فعل بالانبار من قتل عامله عليها وخطب خطبة مشهورة هناك لام فيها أهل الكوفة وبه قتلة الخوارج لما ورد معاوية للكوفة، وفيه حاور جمع من اليهود في مسائل مختلفة.

ومسجد النخيلة في محافظة بابل وبالتحديد في منطقة الكفل من المساجد الإسلامية التاريخية القديمة في العراق بني قبل أكثر من سبعة قرون.

وتشير المصادر التاريخية ان هذا المسجد سمي بهذه التسمية نسبة لوجود نخيلات صغيرة كانت فيه. يعود تاريخه إلى عهد الإمام علي بن أبي طالب حيث بني المسجد في الموضع الذي صلى فيه الإمام عند خروجه إلى صفين.

تم اكتشاف جزء من سور مسجد النخيلة عن طريق التنقيب فيما اكتشف الجزء الآخر من السور عن طريق مسح الرادار الأرضي من قبل فريق من وزارة العلوم والتكنولوجيا حيث قدرت مساحة المسجد بـ(7) آلاف متر مربع.

ان هذه المساحة غزتها البيوت والخانات والمقابر قبل أكثر من قرن وبالتحديد منذ عام 1860 إلى عام 1900 وبقيت هذه التجاوزات شاخصة ماحية معالم المسجد حيث قدرت عدد العقارات التي شيدت على مساحة المسجد بـ(50).

باشرت هيئة الآثار والتراث وبالتعاون مع المزارات بالبحث والتنقيب عن أسس المسجد فكانت النتائج استظهار 180 متر تقريباً من سور المسجد فيما باشرت الأوقاف الشيعية باسناد المئذنة واكتشاف الجزء المتبقي من السور.

مسجد النخيلة ومنارته لا زالت قائمة مع شرفات المسجد الإسلامي القديم الذي لم يبق منه سوى جزء يسير من السور.. وتحمل المنارة كتابات إسلامية وفي مسجد النخيلة محراب في الموضع الذي صلى فيه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عند خروجه إلى صفين مرة. وعندما بلغه قتل عامله على الأنبار مرة ثانية وثالثة عند خروجه لحرب الخوارج في النهروان ماراً ببابل.

وقيل بأن اليهود قاموا بإزالة منبر كبير في الصخر كان موجوداً في المسجد وحفروا إلى جنبه حفرة كبيرة وأردوه فيها ثم سووا عليه التراب ولا يزال موجوداً تحت الأرض ثم إن اليهود حاولوا طمس الكتابات الموجودة في المسجد.

كما تشير المصادر التاريخية إلى أن العصر العثماني شهد محاولات من اليهود للاستيلاء على المكن، وإعطائه صفة يهودية بدلاً من المشاركة بين الديانات الثلاث، ونتيجة لذلك رفع بعض أهالي الكفل شكوى إلى السلطان العثماني، فأرسل الأخير لجنة للتأكد ميدانياً من وجود المنارة، التي تثبت أن المكان مقدّس لدى المسلمين أيضاً، هذه الحادثة استفزت المسلمين، فحدثت بعض المواجهات بين الطرفين، واستمر الخلاف إلى منتصف الخمسينات، إذ أنكر اليهود وجود المسجد، الذي يطلق عليه اسم (مسجد النخيلة)، ولم يملك المسلمون حينها أدلة حسية على قدسية المكان سوى المنارة، التي ما كانت لتُبنى لولا وجود المسجد، إضافة إلى ما ورد في كتب التاريخ إن مسجد النخيلة القديم هو اليوم البناية المتاخمة لبناية ضريح النبي حزقيال ذو الكفل وقد جدد بناء هذا المسجد ومشهد حزقيال أيام السلطان الاليخاني الجايتو خدابندا المتوفى سنة 716 هـ ولهذا المسجد منبر ومحراب ومنارة قديمة وقد أزيلت هذه الآثار على أيدي اليهود في أواخر القرن الماضي حوالي سنة 1310 هـ - 1892م عندما قامت اليهود بتجديدات واسعة في عمارة مشهد ذي الكفل، ومن اجزاء المشهد التي شملها التجديد والتعمير (المسجد القديم) وقد عمد اليهود إلى المنارة القائمة في هذا المسجد وهدموا نصفها الأعلى حتّى لم يبق من المنارة إلا ثلاثة امتار وكانت هذه المنارة آية في الزخرفة والنقوش الجميلة (1) .

ذكر الشيخ حرز الدين يقول: مسجد النخيلة محراب مقام أدركناه ورأينا رسمه في العهد العثماني، المشهور انه الموضع الذي صلى فيه الإمام علي عليه السلام عند خروجه إلى صفين، وخرج إليه أيضاً عندما قتل عامله في الأنبار، وكذلك عند خروجه إلى حرب الخوارج في النهروان ماراً ببلد الحلة.

والمعروف عند مشايخنا والمعمرين أنه كان في المسجد منبر كبير عال من الصخر، وقد حفر اليهود الفسقة جنبه حفيرة واردوه فيها وسووا عليه التراب، ولا يزال موجوداً تحت الأرض.

وفي شرق المسجد منارة قديمة فخمة البناء كانت قائمة في سنة 1310 هـ نقش عليها كتيبة كوفية بخط عريض من الحجارة مستديرة على طول المنارة، الموجود منها في جانب الشرق الشمالي (أحمد، محمد، علي، حسن، حسين) وعليها كتيبة أخرى مستديرة في رأس ثلثي المنارة بخط عربي في سطرين بينهما خط يطوق المنارة، وفي بعض جدران المسجد الشمالية تاريخ بنائه القائم ومن بناه، والموجود منه اليوم (بنى هذا البرج المشيد أبو الفرج المنصور...).

وقد اقام اليهود الأرجاس جداراً إلى جانب الكتيبة هذه في المسجد وضيعوها بين الجدارين، والظاهر لا تزال الكتيبة موجودة لمن نقب عنها، كانت اليهود تأتي لزيارته في السنة مرة(2).

هي أشبه بآثار بناء العهد السلجوقي، ويظهر على المنارة شيء من الخط الكوفي الناتيء على طول المنارة، والموجود اليوم من الكتيبة عليها في الجانب الشرقي هذه الكلمات في السطر الثاني (الإمام المعظم العادل منشء العدل ومقرره وخارج...) ومن السطر الأول كلمة (السلطان) وموضعها فوق كلمة (وخارج).

واليوم ليس لمسجد النخيلة عنوان يتميز به سوى ان المأذنة هذه القائمة تقضي بأن تكن على طرف المسجد، ولم تزل أسوار ثلاثة قديمة عالية الجدران موجودة إلى هذا التأريخ، أما المنارة فتقع فيما يسمونه بـ(خان قريش)، والسور الثني يسمونه (خان النبي)، وثالث لم يسموه لنا، وهذه الآثار في ناحية الكفل ضمن لواء الحلة.

وفي أواخر العهد العثماني بالعراق تجمهرت الشيعة في قرية الكفل على طرد اليهود من قريتهم، يومئذ كان عميدهم الذي يحمل لواء المقاومة لليهود هو فضيلة الشيخ علي خيري زاهد النجفي المتوفى سنة 1320 هـ، المقيم في تلك القرية لتبليغ الأحكام الشرعية، وممثل بعض علماء النجف الأشرف، ويروى الشيخ المذكور بل والمسلمون اجمع ان من الواجب عليهم نفي اليهود عن القرية المسلمة منذ أن فتح المسلمون العراق من الرس وإلى يومنا هذا وتخليص مسجد النخيلة الإسلامي المعظم منهم، فتألّب اليهود الذين في العراق على الشيخ ولصقوا به التهم فلم تجد شيئاً ثم دبروا له وشاية الشمول للخدمة العسكرية التركية عند والي بغداد وبعد حديث وزمن طويل أرسل الأتراك وفداً إلى قرية الكفل للنظر في هذا الحادث الخطير، وحل الوفد التركي ضيفاً على بعض اليهود أياماً، فأغروهم بالمال، والمغريات.. التي هي من عاداتهم إبرازها إذا عجزوا عن التوصل لحل مشاكلهم فكانت هي هي الشفيع المشفع.

ولذا انكر الوفد العثماني ان في المنطقة أثراً إسلامياً، ولم تكن هناك ولا مسجد النخيلة.

وحدثني الثقة من موظفي الأتراك في النجف الأشرف أنهم صوروا منظر القرية مكن خارجها فظهر في التصوير منارة المسجد الرامية في العلو وقبة القبر المخروطة، ثم قصوا المنارة من التصوير الأول وسووه ثم صوروه ثانية لم تكن فيه منارة المسجد، فصار التصوير الثاني شاهد حال للوفد.

ألا قبح الله تلك الوجوه الممسوخة، كما برأ الإسلام من منتحليه الفجرة صنايع اليهود الأرجاس.

وقد أصبح إنكار منارة مسجد النخيلة في الكفل مثلاً سائراً في زماننا هو (مثل منارة الكفل) يضرب للشيء المرئي الثابت بالعيان والوجدان، والتباني على جحوده وإنكاره.

وفي إنكار منارة الكفل نظم الحجة الكبير السيد رضا الهندي بيتين هما:

 عجبت لجحد الناس بيعة حيدر      وما كان قد وصى به سيد الرسل

     إلــى أن عاد الدهر تأريخ مثله      فأخفى عن الأبصار مأذنة الكفل(3)

لقد كتب فضيلة الشيخ عقيل الكرعاوي سادن المسجد كتاباً قيماً في شأن منارة هذا المسجد بعد جهود مضنية في جمع المعلومات من المصادر المتعددة والنادرة.


(1) الطريحي، النبي حزقيال سيرته ومشهده في بابل نشر بعضه في العدل، السنة 13 (1979) ثم نشر بصورة مستقلة في دمشق سنة 1981م / 1401. وأيضاً المساجد التاريخية في الكوفة، ص 160.

(2) حرز الدين، مراقد المعارف: ج1 ص 394.

(3) حرز الدين، مراقد المعارف: ج1 ص 394، الهامش لنجل المؤلف.