السيد أبو الحسن الأصفهاني ( قدس سره )

 

السيد أبوالحسن الأصفهاني عالم ديني وفقيه إمامي (1284-1365 هـ). انحصرت فيه الرئاسة العلمية والدينية، وذلك بعد رحيل المراجع الكبار المعاصرين له. أكثر ما اشتهر بمنهجيته لإدارة شؤون الطلاب والحوزة العلمية، كما ذكرت له مواقف سياسية مميزة، منها إبان الحركة الدستورية التي جرت في ايران في عهد القاجاريين ورفض الاحتلال البريطاني للعراق.

نسبه ومولده

ولد في إحدى القرى التابعة لبلدة لنجان التابعة لمدينة أصفهان تدعى مديسه. تنحدر أسرته من السادة الموسويين الذين كانوا يقطنون "بهبهان"، ويصل نسبهم إلى الإمام موسى بن جعفر (ع)، سابع أئمة الشيعة (ع). والده سيد محمد لم يكن من أهل العلم - ولد في كربلاء ودفن في مدينة خوانسار - ولكن جده السيد عبدالحميد - الذي ولد في بهبهان ودفن في اصفهان - كان من العلماء، ودرس عند الشيخ موسى كاشف الغطاء، وقام بشرح تقريراته الفقهية، فضلاً عن شرحه لكتاب "شرائع الإسلام" للمحقق الحلي.

مسيرته العلمية في إيران

بدأ دراسته في المقدمات في مسقط رأسه، ثمّ التحق إلى حوزة أصفهان العلمية وهو شاب مراهق، فحضر دروس بعض علماء زمانه في مدرسة نيماورد كالآخوند الكاشي - وهو الوحيد المذكور على لسانه من بين أساتذته في أصفهان والذي كان عالماً في مجال العلوم العقلية والرياضيات - وآخرين مثل مهدي النحوي، محمدباقر درجئي حيث أخذ منهم العلوم العقلية والنقلية وبعده دخل المراحل الأساسية من البحث الخارج في الفقه، وتتلمذ على يد أمثال السيدهاشم الجارسوقي، ابوالمعالي الكلباسي، الحكيم جهانغيرخان القشقائي وأيضاً الآخوند الكاشي.

الهجرة إلى النجف

هاجر السيد أبو الحسن إلى العراق قاصداً النجف في شهر ربيع الأول سنة 1308 هـ.حيث دخل مدرسة الصدر الشهيرة في حوزة النجف العلمية، وبدأ بإكمال دراساته العليا في بحث خارج الفقه والأصول. بعد فترة ذهب أبوه ليقنعه أن يعودإلى موطنه الأول، فرفض الولد، ثم طلب الأب من أستاذه الآخوند الخراساني أن يتوسط له، ولكن بعد أن عرف الآخوند عدد أولاده ردّ اليه قائلاً: "تحفظ ببقية أولادك، واترك لي السيد أبوالحسن فقط، أنا أقوم على أمره.

أساتذته

حضر درس الميرزاحبيب الله الرشتي ثلاث سنوات فقط، ثم التحق بحلقة درس الآخوند الخراساني وبقي ملازما له مدة 17 سنة حتى أصبح من أبرز تلامذته و أصحابه. إلى جانب الآخوند والميرزا حبيب الله الرشتي اللذان يصرح بهما المترجم نفسه، أدرك - أيضاً - دروس باقي العلماء من أمثال؛ الميرزا الشيرازي الأول (صاحب ثورة التنباك)، السيد كاظم اليزدي (صاحب عروة الوثقى)، الميرزا الشيرازي الثاني (صاحب ثورة العشرين)، فتح الله الشريعة الأصفهاني ومولى عبدالكريم الإيرواني.

المرجعية العليا

بعد رحيل الآخوند الخراساني، تصدّى كل من السيد محمد كاظم اليزدي والميرزا محمد تقي الشيرازي للرئاسة الدينية والعلمية لـحوزة النجف الأشرف، والمشهور بأنّ الميرزا الشيرازي الكبير كان أول من أحال مسائله الإحتياطية إلى الأصفهاني واعتبره مع الشريعة الأصفهاني مؤهلَين لتولي المرجعية بعده. قد راجعه البعض في التقليد بُعيد وفاة الآخوند الخراساني حسب تصريح للمترجم.

بعد أن توفي كلّ من الميرزا النائيني والشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي في سنة 1355 هـ وآغا ضياء العراقي سنة 1361 هـ تفرّد الأصفهاني بالمرجعية العليا للشيعة.

تلامذته

تتلمذ على يده كثير من كبار العلماء والمراجع المتأخرين عنه في مجالي الفقه والأصول طوال فترة تدريسه المتواصل والمستمر في حوزة النجف، أمثال: الميرزا حسن البجنوردي، السيد محمود الشاهرودي، السيد محسن الحكيم، السيد هادي الميلاني، الميرزا هاشم الآملي، الشيخ محمد تقي البروجردي، العلامة الطباطبائي وغيرهم من كبار العلماء المعاصرين له.

مؤلفاته

تصنّف الآثار العلمية ومؤلفات المترجم إلى خمسة أصناف:

    تقريراته في الفقه والأصول، دوّنت على يد التلامذة ضمن السنة المألوفة لطلاب العلوم الدينية في المرحلة العليا "خارج الفقه والأصول". هناك دورة كاملة من تقريراته في عدّة مجلدات قام بتأليفها ميرزا حسن السيادتي السبزواري ما بين 1338 - 1345 هـ وتوجد نسخة أخرى دوّنها الشيخ محمد رضا الطبسي. من بين جميع تقريراته هناك مختارات ترتبط بعلم الأصول، تدلّ على مكانته العلمية وتتلمذه على يد أستاذه الآخوند الخراساني في جلسات درسه المتواصلة. من أهمها تقريرات في الاستصحاب حررّها الشيخ محمد تقي الآملي أحد تلامذته.

    تحرير تقريرات أساتذته في الفقه والأصول بقلمه

من أهمها ما عبّر عنها "بشرح كفاية الأصول" بحسب من قاموا بترجمة حياة الأصفهاني، والتي من المرجّح هي تقريرات درس الآخوند الخراساني نفسها.

    الرسائل العملية وفتاواه وأهمها جاءت ضمن دورة فقهية شامله تحت عنوان وسيلة النجاة والتي تضمّنت جميع الأبواب من الطهارة إلى الإرث على غرار العروة الوثقى للسيد محمد كاظم اليزدي. طبعت النسخة الكاملة لهذا الأثر سنة 1355 هـ والنُسَخ الملّخصة التي كانت تشتمل على متطلّبات المقلَّدين اليومية قد أعيد طبعها 16 مرة في 44 ألف نسخة.

بما أنّ كتاب وسيلة النجاة يعدّ نصاً محتوياً على الفتاوى لذا أثار اهتمام الكثير من الجيل اللاحق من الفقهاء ليكون نصب أعينهم ومن أبرز الشروح عليه، كتاب تحرير الوسيلة للسيد الإمام الخميني. قام أبو القاسم الصفوي الإصفهاني (1370 هـ ش) بترجمة الأثر بالفارسية تحت عنوان صراط النجاة وأعيد طبعه في 1344 هـ و1345 هـ في هذا السياق طبعت الرسالة العملية للسيد الأصفهاني 3 مرات في حياته عنوانها ذخيرة الصالحين.

أيضاً نشر نصاً منه يحتوي على الفتاوى في باب مناسك الحج بالفارسية في النجف وباللغة الفارسية سنة 1342 هـ وقد جرى طبع رسائله العملية التي حملت عنوان منتخب الرسائل 42 مرة.

    تعليقاته على مؤلفات وآثار الآخرين، كحاشيته على تبصرة المتعلمين للعلامة الحلي.[١١]التي أعيد طبعها في النجف وايران والهند لعدة مرات.

تعليقاته على العروة الوثقى للسيد كاظم اليزدي، وعلى نجاة العباد لصاحب الجواهر طبع لعدة مرات في النجف، وعلى ذخيرة العباد للفاضل الشربياني، وعلى مناسك الحج للشيخ الأنصاري يجدر ذكرها.

    الفتاوى التي لم تحرّر بقلم الأصفهاني بل قام الآخرون بتحريرها بناءً على ما صدرت منه من فتاوى نحو:

    أنيس المقلًّدين جمعها السيد ابوالقاسم صفوي الموسوي الأصفهاني.

    تحفة العوام الذي هو مقتطفات من فتاوى الأصفهاني قام بتجميعها الخواجة فياض حسن الهندي باللغة الأردية.

   رسالة عملية في أحكام العبادات باللغة التركية كانت منتشرة بين شيعة أهالي مدينة كركوك العراقية، لكن لم نقف على مكان الطبع أو تاريخه.

اهتماماته السياسية وسلوكه الإجتماعي

المواقف السياسية

تزامن دخوله إلى حوزة النجف مع بدايات ثورة التنباك المشهورة بقيادة الميرزا الشيرازي الأول، فقد كانت عبارة عن أبرز مواجهة بين السلطة الحاكمة في إيران والمؤسسة الدينية المتمثلة في المرجعية العليا إلى ذلك الحين.

تلك الظروف أتت كتجربة سياسية ملموسة للسيد أبو الحسن وهو ابن 25 سنة وحامل درجة الإجتهاد العلمية. فتعمّقت الحنكة والتدبير في شخصيته، كما اختصّ باعتناء أستاذه الآخوند الخراساني من خلال الحضور المستمر للدروس وملازمته، فحذا حذوه في هذا الجانب. فعلى هذا الأساس دخل كأحد المؤهلين ضمن قائمة الأسماء المشرفين على القوانين المشرّعة في المجلس التشريعي الإيراني بغية تطبيقها بالشريعة الإسلامية وذلك باقتراح من الملا الآخوند والشيخ عبدالله المازندراني لكنه فضّل مزاولة أعماله في النجف ولم يلبِ الطلب واعتذر.

عندما شهد العراق منعطفاً آخر بعد أحداث ثورة العشرين ورحيل قائدها الميرزا الشيرازي الثاني، عاد السيد الأصفهاني إلى الساحة من جديد، ليقوم هو وبمعية بعض من الشخصيات الدينية الأخرى كالميرزا النائيني والشيخ الخالصي، برفض احتلال العراق على يد البريطانيين وتواجدهم على أراضي المسلمين فأفتى الشيخ الخالصي بتحريم العملية الإنتخابية لتعيين أعضاء لجنة كتابة الدستور العراقي، و حظي ذلك بتأييد من الأصفهاني والنائيني، والذي أدى إلى نفي الشيخ الخالصي أولاً إلى الحجاز والأصفهاني والنائيني والسيد علي الشهرستاني إلى إيران - بسبب شدة اعتراضهم على إبعاد الخالصي - و كلّ ذلك استمر إلى أمد مؤقت حوالي 11 شهراً ومن ثمّ تنازل الحاكم على العراق عن قراره وقَبِل بعودتهم، دون الحصول على الأهداف المرجوّة.

حادثة قتل إبنه

كان السيد حسن الأصفهاني الابن الأرشد للسيد الأصفهاني، يهتمّ بشتى الشؤون منها الرسائل الخاصة بالمساعدات المالية للطلاب الموجّهة إلى والده. وفي ليلة 16 من شهر صفر سنة 1349 هـ مابين صلاة العشائين بإمامة والده السيد الأصفهاني في الصحن الحيدري، حيث كان السيد حسن وبحسب العادة يصلي في الصف الأخير للجماعة - تفادياً لإزعاج المصلّين مع تراكم المراجعين إليه - اقترف شخص يدعى الشيخ علي القمي جريمة قتل مروّعة - وقيل بأنّ السبب في ظاهر الأمر كان عائداً إلى شدة عسره وبحجة أن ابن السيد قد أهمل أمره - إلا أن الأصفهاني صفح عن الجاني وانصرف عن معاقبته.

ثم يطلب الشيخ علي القمي بعد إطلاق سراحه - في رسالة موجهة للأصفهاني - بأن يسمح له بالبقاء في النجف ومواصلة دروسه في الحوزة، لكن السيد أوعز إلى حامل الرسالة إبلاغه بأنّه لا مانع لديه، لكنه سوف لن يعيش هنا في أمان، فمن الأفضل أن يذهب إلى إيران ويعيش في مطرح خفي مجهولاً.إلى غير ذلك، خصّص له مبلغ من المال ليتعيّش عليه القاتل ويسدّ به حاجاته. على وقع ذلك الحادث قام البعض بالإساءة إلى الطلبة وإيذاءهم بين حين وآخر. فأوصى الأصفهاني إلى الشيخ اليعقوبي، خطيب مجلس تأبين ابنه بأن يعلن عنه:"أنّ أحد ولدي قام بقتل الآخر، فما ذنب بقية الأولاد، كلّ الطلاب أولادي".

وفاته ومدفنه

وافاه الأجل ليلة الثلاثاء 9 ذي الحجة سنة 1365 هـ في الكاظمية عن 81 سنة وشيّع في بغداد وكربلاء تشييعا عظيما لم يسبق له مثيل وحمّل نعشه إلى النجف الأشرف فدفن في إحدى الحجرات في الصحن العلوي. كان لوفاته أيضاً صدى في جميع أرجاء البلاد الإسلامية من العراق وإيران وسوريا وجبل عامل في لبنان...من المعروف أنّ الحداد على الأصفهاني وتداعياته بمدينة تبريز الإيرانية تحوّل إلى حركة شعبية أدّت إلى الإطاحة بالحزب الديموقراطي الأذربيجاني المدعوم روسياً.

وقال في تأبينه آية اللّه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء هذه العبارة الشهيرة: "هنيئا لك يا ابا الحسن عشت سعيداً ومتَّ حميداً, قد أنسيتَ الماضين وأتعبت الباقين, كأنك قد وُلدت مرتين".