يا رائد الخير للإنسان

{ محمد حسين الصغير }

ألقيت في المهرجان العالمي السابع الذي أقيم في كربلاء المقدسة في الحسينية الحيدرية بتاريخ 13/ رجب/ 1385 هـ ، في ذكرى ميلاد أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام ، وكان للقصيدة أثرها السياسي الكبير في الوسط السياسي والاجتماعي، واستدعى وزير الداخلية العقيد عبد اللطيف الدراجي الشاعر للتحقيق معه والعتاب الصارخ حول مضامين القصيدة، ومنع على أثرها من السفر خارج العراق.

وقد بحث مجلس الوزراء اقتراحاً باعتقال الشاعر، فصوَّتت الأكثرية على عدم اعتقاله.

 

نَوَّرْتَ في رُشْدِكَ الأجْيالَ والحِقَبا

وصُنْتَ في مَجْدِكَ التاريخَ والكُتُبا

***

وسِرْتَ بالوَعْيِ تَفْكيراً وفلْسَفة

تقارعُ الحَيْفَ والحِرْمانَ والسَّغَبا

***

رسالةٌ لَمْ تَجِدْ أهْلاً لَها فحَنَتْ

على يَدَيْكَ.. فكُنْتَ الحامِلَ الحَدِبا

***

فما تَعَثَّرْتَ في أعْبائها زَلَقاً

ولا تَنَكَّبْتَ دَرْباً واضِحاً لحبا

***

ولا تَوَقَّفْتَ عَنْ جَرْيٍ بساحَتِها

ولا تَشَكَّيْتَ منه الأيْنَ والنَّصَبا

***

ولا أقِمْت على ضَيْمٍ مَرَارتُهُ

تَجْتاحُ مِنْكَ ضميراً نابضاً صَلِبا

***

ولا تمادَيْتَ في حَقِّ تناهبَهُ

باسمِ العدالةِ شَيْطانٌ لها احْتَلَبا

***

ورُبَّ نَبْعٍ طَرُوبٍ في ظَوَاهِرِهِ

حُلَّئْتَ عَنْهُ.. فكان الصَّابَ لا الضربا

***

ورُبَّ نارٍ مِنَ الأحْداثِ مُحْرقةٌ

أطْفَئتَها خَوْفَ أنْ نَغْدُو لها حَطبا

***

للهِ دَرُّكَ! كمْ أبْقَيْتَ مِنْ قِيَمٍ

تطاولُ الأنْجُمَ الزَّهْراءَ والشُّهُبا

***

كالشَّمْسِ في الأفقِ لا تَذوي أشِعَّتُها

والماءُ في البحرِ يُعْطي الدُّرِّ والسُّحبا

***

يا واهِبَ النُّورَ إمْداداً لفِكْرَتِهِ

كَواكباً تَتَبَنَّى فَيْضَ مَنْ وَهبا

***

وحاملَ الفكرِ تَعْبيراً ومُنطَلَقاً

عَنْ حِكْمَةٍ.. وإلى أمْثُولَةٍ سَبَبا

***

وفاتحَ العقلِ كَنْزاً في نَوافِذِهِ

للسالِكينَ.. يُنيرُ المَنْهَجَ الرَّحبا

***

أسْدَيْتَ أيَّ يَدٍ عَصْماءَ هادِفةٍ

تَضُمُّ مُبْتَعِداً مِنَّا، ومُقْتَربا

***

وثورةً تَبْتني في أُسِّها قِمماً

سِواكَ ما شادَها إلّا: كَبَا، ونَبا

***

حَيَّرْتَ كُلَّ بُناةِ الفكْرِ فاخْتَلَفُوا

بِكُنْهِ مَعْناكَ.. حَتَّى فُرِّقُوا عُصَبا.

***

فكُلُّ طائفةٍ تَرْجُوكَ قائِدَها

وكُلُّ فَلْسَفَة أُمَّاً لَها وأبا

***

وعَبْقَرياً مِنَ الأفذاذِ قد خَلَقَتْ

بهِ العقيدةُ هذا العالمَ الخَصِبا

***

تَمْضي الرجالُ وتُطْوَى في صحائفِها

وأنْتَ للمَجْدِ ما إنْ خَطَّ أو كَتِبا

***

هذا عَليٌّ لِواءُ الحَقِّ في يَدِهِ

فكُلُّ حَقٍّ إلى عَلْيائِهِ انْتَسَبا

***

ابا الحُسَيْنِ وأكْرِمْ بالحُسَيْنِ أبا

للصاعِدينَ.. وأكْرِمْ فيكَ مُنْتَسبا

***

شَرِبْتُ حُبَّكَ أكْواباً مُرَقْرَقةً

فاضَ الصَّباحُ بها، والفَجْرُ قد سَكَبا

***

وصُغْتُ عاطِفتي سِلكاً بجَوْهَرِها

قلائِدُ الشِّعْرِ تُزْجى اللؤلؤَ الرَّطبا

***

نَظَمْتُها، وعلي الأعْتابِ أنْثُرُها

لأسْتَقِرَّ بها عُقْبًى ومُنْقَلِبا

***

وقُدْتُ فيها جُيُوشَ النَّقْدِ لاذعةً

على الطُغاةِ فكانَتْ جَحْفَلاً لجُبا

***

أُدْمي بها مَنْ تمادَى في تَجَبُّرِهِ

وأسْتذلُّ بها الألقابَ والرُّتَبا

***

ألْهَمَتْني بهُدَاكَ الفَذّ جَمْهرةً

مِنَ العَزائمِ تُدْني المُرْتَقَى الصَّعِبا

***

كالسَّيْفِ فوقَ رُؤُوسٍ قد مَشَى صِلِفٌ

فيها، وخامَرَها الطُّغْيانُ فاْعتَصَبا

***

فإنْ هُمُ رَجَعُوا للعَقْلِ سالمَهُمْ

وإنْ هُمُ وثَبُوا في غَيِّهِمْ وثَبَا

***

هذا سِلاحي لوْلا أنَّهُ أدبٌ

صَيَّرْتُ فيهِ الهُدَى والشَّعْبَ مُلْتَهبا

***

وذي العواطفُ لو انزلتُها جبلا

رأيتهُ خاشعاً للهِ مضطربا

***

وما تماسُكَهُ إلّا تَمَسُّكَهُ

بالمُصْطفى وبَنيهِ السَّادةِ النُّجُبا

***

يا مَوْلِداً هَزَّتْ الدُّنيا طلائعُهُ

وراحَ بالزَّهْوِ يَطْوي السَّهْلَ والحَدبا

***

أشْرقتْ في حين لا رأيٌ يُوحِدُنا

ولا ضمائرٌ فاضَتْ عِزَّةً وإبا

***

ولا صَلابَةُ عُودٍ في شَبيبَتنا

ولا أصالةُ فكْرٍ تَهْزمُ النُوَبا

***

ولا مُروءةُ طَبْعٍ نستعيدُ بها

ما فَرَّطَ الدَّهْرُ، أوْ بالقُوَّةِ انْتُهِبا

***

ولا انْطلاقةُ تَوْجيهٍ فتدْفَعُنا

إلى الأمامِ يقيناً يُمْحقُ الرِّيَبا

***

ولا سياسةُ تَوْحيدٍ فتجْمَعُنا

على الإخاءِ بقُرْبًى تُفْضِلُ النَّسبا

***

ولا كرامةُ شَعْبٍ في بُطُولَتِهِ

تناشَدُ الثأرَ، أو تَسْتَدْركُ الطَّلَبا

***

عُدْنا كأمْسٍ زُرافاتٍ تُلاقِفُنا

أيْدي المقاديرِ في مِضْمارِها غَلَبا

***

كأنَّ تلكَ الجُهُودَ الغُرَّ قدْ نُسِيَتْ

وأنَّ ذاكَ الدَّمَ الفَوَّار قد نَضُبا

***

وأنَّ سَعْيَ رَسُولِ اللهِ مُرْتجعٌ

وأنَّ مجدَ الهُدَاةِ انْهَدَّ وانْقَلَبا

***

فاسْتَبْشَرُوا بعدها في أيِّ كارثَةٍ

سَوداءَ مِنْ هَوْلِها نَسْتَصْغِرُ الهُضُبا

***

يَعْيا الحليمُ بها فكراً إذا انْفَجَرَتْ

ورُبَّ ثَوْرَةِ فكْرٍ أعْقَبَتْ تَعَبا

***

يا رائدَ الخَيْرِ للإنْسانِ قد طُويَتْ

تلكَ الصَّحائفُ، والإنسانُ عاد هَبَا

***

دالتْ ظُرُوفٌ، وغَمامُ الأفْقِ، وانْدَلعَتْ

شَرَارةٌ أمْطَرَتْ مِنْ نارها غَضَبا

***

والآنَ ما قيمةُ الإنسانِ إنْ مُلِئَتْ

حَياتُهُ فَزَعاً.. أوْ نَفسُهُ رَهبا

***

أوجارَ في القَصْدِ مَنْ تَرْجُوهُ مُعْتَدِلاً

أوْ شّذَّ في الحُكْمِ مَنْ يَرْعاهُ مُنْتَصبا

***

تَدَهْوَرَ الوضْعُ حتِّى لَمْ نَجِدْ أحَداً

نَشْكُو إليهِ، وحتّى لَمْ نجِدْ عَتَبا

***

وأرْجَفَ الحاكمُونَ الظالمُونَ بنا

فاسْتَنْزَلُوا حَرْباً.. واسْتَمْطَرُوا وَصَبا

***

كُنَّا نقُولُ لمَنْ قد كانَ قَبْلَهُمُ

خفِّف عَلَيْكَ فقد تسْتَعْجِلِ العَطَبا

***

حتّى إذا الحُكْمُ ولَّى عَنْهُ وانْكَشَفتْ

لَهُ الحقائقُ، أدْمى كفَّهُ حَربا

***

واليومُ نَنْصحُكُمْ، والجُرْحُ مَضَّ بنا

ورُبَّ شُعْلَةِ نارٍ ولَّدَتْ لَهَبا

***

تَنَبَّهُوا واسْتَفيقُوا فالمَلا يَقِظٌ

والشَّعْبُ ماجَ مِنَ الأهْوالِ واضْطَربا

***

وأصْلِحُوا الوضْعَ عَنْ وعْيٍ وتَجْربَةٍ

وجانِبُوا خَطَلَ الأهْواءِ والعجبا

***

وطَهِّرُوا الحُكْمَ مِنْ قَوْمٍ جَرائرُهُمْ

بالطائفيَّةِ ألفَتْ مَرْتَعاً أشبا

***

فالطائفيَّةُ داءٌ لا دَوَاءَ لهُ

إلّا إذا الحُكْمُ عَنْ حَزْمٍ لَها شَجَبا

***

(والطائفيّةُ نارٌ مَنْ يُؤجِّجُها

لا بُدَّ يَغْتَدي يَوْماً لَها حَطَبا)

***

هذا هُوَ الحَفْلُ إنْ حَقَّقتْ مؤتَمَرٌ

يعالجُ الوضْعَ، أو يَسْتَنْكِرُ الشَّغَبا

***

ويَسْتَردُّ حُقُوقَ الشَّعْبِ كاملةً

ويَسْتَعيدُ لَهُ الآمالُ والأربا

***

فإنْ نَكُنْ نَتَمَنَّى الخَيْرَ في وَطَنٍ

لأمَّةٍ.. نفذُوا للشَّعْبِ ما طَلَبا

***

نُريدُها وحْدَةً للشَّعْبِ شاملَةً

بنُودُها تَجْمَعُ الأكْرادَ والعَرَبا

***

ووحْدَةُ الصَّفِّ فَرْضٌ لا مَجالَ بِهِ

فحقِّقُوها، وأدُّوا بَعْضَ ما وَجَبا

***

خَلُّوا (القِتالَ) بساحاتِ الشِّمالِ فقدْ

تَهَرَّأَ الحالُ حتَّى قُطِّعُوا إرَبا

***

وأسْرَعُوا بانْتخاباتٍ تُمثِّلُنا

بمجْلِسِ الأمَّةِ المَوْعُودِ مُنْتَخَبا

***

وفي الوزاراتِ لا تَسْتَوْزِروا ذَنَباً

وقَرِّبُوا مِنْ إلى تَفْكيرنا اقْتَرَبا

***

وللوظائفِ خطواً مَنْهَجاً سَمحاً

يخْتارُ مُحْتسباً عَنَّا ومُنْتَدبا

***

وفي المعارفِ والأوقافِ لا تَدْعُوا

مناهِجاً وفُرُوقاً زُيِّفَتْ كَذبا

***

والخارجيةُ قد أضْحتْ مُصادرةً

ولَيْسَ مِنَّا سَفيرٌ واحدٌ نُصِبا

***

وثمَّ أمْثلة صُونُوا كَرامتَنا

مِنْها، فقد حَشَدَتْ في سَيْلِها الكَرَبا

***

(فالأمنُ) قد لاحقَ الأحْرارَ مَصْيَدَةً

فما تَلِفَتْ لاحَتْ أعْيُنُ الرُّقَبا

***

وتلكَ مَهْزَلَةٌ يَنْدَى الجَبينُ لَها

والنُبْلُ قدْ فَرَّ مِنْ أوْزارها هَرَبا

***

وفي الإذاعةِ أنْ تَسْمَعْ بَرَامِجَها

فلا تَرَى للهُدَى ذكْراً، ولا نَسَبا

***

هذا الصَّحيحُ، وهذا ما نُشاهِدُهُ

فأصْلِحُوا البِدْءَ مِنْهُ تَصْلِحُوا العَقِبا

***

يا قادَةَ الحُكْمِ إنَّ الشَّعْبَ مضطربٌ

فأحْضِرُوا لجَوابٍ مَقُولاً ذَرَبا

***

أنَحْنُ حِصْنٌ الشُّعُوبيينَ واأسَفاً

ونحنُ ركْنُ الشُّيُوعِيينَ واعَجَبا

***

سِياسةٌ قد تَمادى (الإنْكليزُ) بها

وإنْ يَكُنْ قدْ أدَارُوا الاسْمَ واللّقبا

***

نَحْنُ العُرُوبَةُ.. والإسْلامُ رائدُنا

فساءِلِ اللهَ، والإسلامَ والعَرَبا

***

وسَلْ بنا (ثورةَ العِشْرينَ) فهيَ فَمٌ

يُنْبيكَ بالصِّدْقِ إمَّا خالَفُوا الكَذِبا

***

مِنَ السِّلاحِ، وفينا الحَرْبُ قائمةٌ

فَسَلْ لَعَمْرُكَ مَنْ أفْتَى ومَنْ خَطَبا

***

مَنْ قادَ بالسَّيْفِ جَيْشَ الحَقِّ فازْدَهَرَتْ

وأنْبَتَتْ جُثَثَ الثُوَّارِ لا العُشُبا

***

تلكَ الدِّماءُ الزَّاكياتُ التي خَضَّبَتْ

هذا الثَّرى، فأنارتْ وجْهَهُ التَرِبا

***

فاليومُ كالأمْسِ بالثُّوَّارِ مُعْتَمِرٌ

يناهضُ الخائنينَ: الرأسَ والذّنبا

***

ماذا تعدُّونَ مِنْ حَلِّ لطائفةٍ

قد كالتْ الوطنَ الغالي لكُمْ ذَهَبا

***

وسَلَّمتْكُمْ زِمامَ الحُكْمِ مِنْ دَمِها

والنَّفْطَ.. والأصْفرَ الرَّنَّانَ.. والذَّهَبا

***

إنْ شِئْتُمُ سَفِّرُوا أبْناءَها حَمَقاً

أو شِئتُمُ عالجُوا أوْضاعَها أدَبا

***

صَوْتٌ مِنَ الشَّعْبِ –ياللحُكْمِ - يُطْلِقُهُ

فمُ (الشَّبيبي) عَنْ حَقٍّ لَهُ اغْتُصِبا

***

فراحَ يَرْفَعُها أسْمَى (مُذكَّرةً)

تُمثِّلُ الشَّعْبَ غاياتٍ ومُكْتَسَبا([1])

***

فنفِّذُوها فإنَّ الشَّعبَ مُنْتَظِرٌ

تَنْفيذَها رغباً، أوْ شئتُمُ رَهَبا 

 

 

[1]- إشارة إلى مذكّرة الأستاذ الشيخ محمد رضا الشبيبي التي قدَّمها لرئيس الوزراء الدكتور عبد الرحمن البزاز، وفيها مطالب الشّعب بالعدالة وإلغاء الطائفية.