مِنْ يَنابيع الإيمان

{ محمد حسين الصغير }

ألقيت في المهرجان العالمي الخامس الذي أقيم في كربلاء المقدّسة في الحسينية الحيدرية في 13/ 7/ 1383 هـ، الموافق كانون الأول 1963م، بمناسبة ذكرى ميلاد أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، وقد نشرت في مجلّة الإيمان النجفية، السنة الأولى، العدد الثالث، الصادر في رجب 1338 هـ الموافق 1963م.

 

هُدَاكَ في صَفحاتِ الفَتْحِ قُرْآنُ

وأنْتَ في جَبَهاتِ الدَّهْرِ عُنْوانُ

***

وفي نُهاكَ نُغذي الجِيل فلْسَفةً

يَقْضي الحَياةَ عليها، وَهْوَ يَقضانُ

***

فأنْتَ أنْتَ، ومِنْ عَلْياكَ ما بعَثَتْ

لنا العُصُورُ، وما أحْيَتْهُ أزْمانُ

***

القائِدُ الرَّكْبُ، لَمْ تَفْلُلْ مَضاربُهُ

والفاتِحُ الأرْضُ لَمْ تُدْرِكْهُ أقْرانُ

***

والمُسْتَميتُ إذا جَدَّ الوَغَى وطَغَى

بالهَوْلِ والمَوْتِ مِضْمارٌ ومَيْدَانُ

***

مِنْ وحْيِ قُدْسِكَ ما تَجْني قَرَائحُنا

ومِنْ ثمارِكَ ما حَمَّلْنَّ أغْصانُ

***

ومِنْ عَقيدَتِكَ العَصْماءَ أفئدَة

حمّ الفِداءُ بها، واهْتَزّ بُرْكانُ

***

ها نَحْنُ.. أرْبَطُ جأشاً مِنْ فَراعِنَةٍ

لها على الزوْرِ أحقادٌ وأضْغانُ

***

هُنا على شاطيء التَّقْوَى زَوارِقُنا

تَجْري.. وأنْتَ بعَيْنِ اللهِ رَبّانُ

***

مَوْلايَ مَوْلِدُكَ المَيْمُونُ قد نَبَضَتْ

بِهِ الحياةُ، فلا بُؤسٌ وحرْمانُ

***

أعادَ آيةَ ذكْرى مِنْكَ رائعةٍ

مَشَى بها الدَّهْرُ صَحْواً، وهو سَكْرَانُ

***

فالوعيُ مُنْتَشِرٌ، والفِكْرُ مُزْدَهِرٌ

والقَلْبُ مخضُوضرٌ، والذِّهْنُ فينانُ

***

والأفْقُ تَغْمُرُهُ الأشْذاءُ حافلةً

بالطَّيِّباتِ.. فنِسْرينٌ ورَيْحانُ

***

والليْلُ تَعْمُرُهُ الأضْوَاءُ مُسْرَجَةً

بالنَّيِّراتِ.. فياقُوتٌ ومَرْجانُ

***

 ما أرْوَعَ الحَفْلَ، والأعْناقُ مُرْهَفَةٌ

قَدْ رَنَّحَتْها أغاريدٌ وألْحانُ

***

ألْحانُ فَتْحٍ شَرُوقٍ عَنْهُ قد عَميَتْ

بَعْضُ العُيُونِ، وصمتْ منه آذانُ

***

ونَحْنُ نحضى برضْوان تعاهدهُ

للمُتَّقينَ مِنَ الجنَّاتِ (رُضْوَانُ)

***

دُنياً مِنَ المُثُلِ الغَرَّاءِ قد سَجَدَتْ

لها مُلُوكٌ، وهاماتٌ، وتيجانُ

***

تكادُ تَعْنُو لها في الجَوِّ عُقْبانُ

وفي السَّماواتِ أفلاكٌ وأكْوانُ

***

يا أيُّها البَطَلُ الخَلّاقُ جَمْهَرةً

مِنَ المَوَاهِبِ.. لا مَسَّتْكَ أدْرَانُ

***

ويا مُعيداً إلى الإنسانِ حُرْمَتَهُ

لوْلاكَ ما صِينَ في الأحْداثِ إنْسانُ

***

ويا عَصُوفاً على الطُّغْيانِ مُنْدَلِعاً

لوْلاكَ ما انْصاعَ للإيمانِ طُغْيانُ

***

ويا مُعيناً مِنَ الإحْسانِ مُنْفَجِراً

لوْلاكَ لانْدَكَّ إيثارٌ وإحْسانُ

***

ويا سِراجاً على الدُّنيا كَواكِبُهُ

بها تُنَوِّرُ أفكارٌ وأذْهانُ

***

لوْلاكَ ما كانَ للإسْلامِ مِنْ أثَرٍ

ولا لشَرْعَتِهِ البيْضاء أرْكانُ

***

للآنَ لَمْ تلدِ الأجْيالُ مِنْ بَشَرٍ

على يَدَيْهِ تَرَامَى الإنْسُ والجانُ

***

عذَرْتُ فيكَ الأُلى غالُوا، وإنْ كَفَرُوا

وحدت عنْكَ الأُلى عادُوا، وإنْ دَانُوا

***

لأنَّهُمْ أبْصَرُوا ما لَيْسِ تُدْركُهُ

عُقُولُهُمْ، فاسْتَهانُوا مِثْلَما هانُوا

***

أنْتَ الذي أتاهَ (جُرْداقٌ) بلُجَّتِهِ

وفي معاجِزِهِ قد فاهَ (جُبْرانُ)

***

يا أُمَّةَ الدِّينِ والإيمانِ في وَطَني

لا الدينُ دينٌ، ولا الإيمانُ إيمانُ

***

فلا العَقيدةُ تَزْهُو في مَواكِبِها

ولا الكتابُ صَدَاهُ الحَيُّ مِرنانُ

***

وشَرْعُهُ بهُدَى القُرْآنِ مُحْكمةٌ

ضَياعَها يَشْتكي آيٌّ وفُرْقانُ

***

فلا الشَّبابُ لها نَرْجُو وقد نُصِبَتْ

لَهُ مَصائدُ أحْزابٍ وأرْسانُ

***

ولا الشُّيُوخُ الأولى ما زالَ قَوْلُهُمُ

لكُلِّ هادٍ طَمُوحٍ : أنْتَ شَيْطانُ

***

ولا الجماهيرُ عَنْ زَيْغٍ وعَنْ زَيَّفٍ

تَصْحُو، وقد بانَ تضليلٌ وخُذْلانُ

***

ولا الحكُومَةُ تُرْخي مِنْ أعِنَّتِها

لتَبْصرَ الحَقَّ رُشْداً، وهْوَ عُرْيانُ

***

ولا الإذاعةُ تَرْعى في بَرَامجِها

حُقُوقَنا؛ وهْيَ إصْلاحٌ وعُمْرانُ

***

هذي احْتفالاتُنا.. هَلاَّ تَقَدَّمَها

للشَّعْبِ كيْ يَهْتَدي شيبٌ وشُبَّانُ

***

دالَ الزَّمانُ، فعادَ الدينُ مَهْزَلَةً

كأنَّ مَنْ شَيَّدُوا الإسْلامَ قد خانُوا

***

كأنَّ ذاكَ التُّراثَ الضَّخْمَ ما بُنيتْ

بِهِ حضاراتُ أجْيالٍ وأوطانُ

***

كأنَّ ذاكَ الشُّمُوخَ الفَذَ ما هَطَعَتْ

لَهُ قياصِرَةٌ صِيدٌ ورُومانُ

***

اللهُ أكْبَرُ.. ما هذا الغُرُورُ، وما

تلكَ الشُّرُورُ؟، أما للعَقْلِ مِيزانُ

***

اللهُ أكْبَرُ.. ما الإسْلامُ مُنْطَلَقاً

إلى الوراءِ، ولا القُرْآنُ بُهْتانُ