في ذكرى عيد الغدير

{ محمدحسين الصغير }

ألقيت في الاحتفال الرائع المهيب الذي أقيم في حدائق ثانوية الإمام الجواد ( عليه السلام ) في بغداد الكرادة الشرقية، بمناسبة عيد الغدير، وذلك في 31/ 12/ 1383 هـ/ الموافق 6/5/1965م،ونشرت في العدد السابع والثامن من مجلّة الإيمان النجفية الصادر في مايس 1964م. 

 

بذكْراكَ يَنْطلِقُ المُزْبِرُ

ويَنْهَلُّ فِكْرٌ ويَسْتَمْطِرُ

***

ويَنْعَمُ جيلٌ بآرائِهِ

ويَضْحَكُ عَهْدٌ ويَسْتَبْشِرُ

***

ويَنْجابُ لَيْلٌ بَهيم الدُّجَى

ويَرْبُوا صَباحٌ ويَخْضَوْضرُ

***

ويَنْتَظِمُ الكُوْنُ أُغْرُودَةً

يُسامِرُ إيقاعَها عَبْقَرُ

***

ويَزْدَهِرُ الدَّرْبُ للسَّالكين

مُضيئاً، فما عُذْرُ مَنْ يَعْثَرُ

***

ويَنْشَقُّ فَجْرٌ مِنَ الأمْنياتِ

على صَفْحَتَيْهِ السَّنا يُنْشَرُ

***

يُنوّرُ مِنْ أُمَّةٍ لَمْ يَزَلْ

يُدَاهِمُها حالكٌ أكْدَرُ

***

فَتُبْصِرُ أنَّ الدُّجَى مُرْتَمٍ

صَريعاً، وأنَّ الضُحى مُسْفِرُ

***

عَسَى أنْ يُقَوَّمَ معْوَّجُها

ويَنْصاعَ للرُّشْدِ مُسْتَبْصِرُ

***

ويَنْهَضُ تاريخُها خَيِّراً

يُواكِبُهُ جيلُنا الخَيِّرُ

***

فقد أثقلَتْ بالسُّباتِ العَميقِ

جُفُونٌ، وقد ضَجَرَ المحْجَرُ

***

وقد آنَ للوعيِ أنْ يَسْتعيدَ

كياناً بَناهُ لَنا (حَيْدَرُ)

***

أبا الفَخْرِ والمُثُلِ الصَّاعداتِ

بكَ الدَّهْرُ مُغْتبطاً يَفْخَرُ

***

ويا نَفْحَةً مِنْ رياضِ الجنانِ

تأرَّجها المِسْكُ والعَنْبَرُ

***

ويا نَغْمَةً مِنْ صَميمِ الحَياةِ

ترنَّمها العُودُ والمِزْهَرُ

***

تعالَيْتَ مِنْ ناقِدٍ خالدٍ

إلى المَجْدِ آفاقُهُ تُصْحِرُ

***

وقُدِّسْتَ مِنْ قائِدٍ صامِدٍ

يَكُرُّ إذا شاءَ، أوْ يَظْفَرُ

***

وبُورِكْتَ مِنْ رائدٍ ذائدٍ

شُمُوخُ الطُّغاةِ بِهِ يُصْهَرُ

***

يَحنُّ لذِكْراكَ قَلْبُ السِّنين

وتَعْشَقُ أيامَكَ الأعْصُرُ

***

لأنَّكَ مِنْ عالمٍ مُشْرقٍ

بَزَغَتَ، ومِنْ أُفُقٍ يَزْهَرُ

***

ولمَّا تَزَلْ مِنْكَ أُنْشُودَةٌ

تَرِقُّ، وقيثارةٌ تُسْحِرُ

***

يُلَحِّنُها نَهْجُكَ العالمي

ويَنْضَحُها حُكْمُكَ الأزْهَرُ

***

وهاتيكَ مِنْ مُعْطياتِ الضَّميرِ

شَذاهُ، ومِن قَطْفِهِ مجمر

***

تُعبِّرُ أنَّ نتاجَ الرجالِ

بتاريخِها الغضِّ يُسْتَثْمر

***

وأنَّ الكرامةَ صُنْوُ الخُلُودِ

لَها فَلَكٌ، ولَها مِحْوَرُ

***

تَدُورُ على هالةٍ شُهْبُها

يُشَعْشِعُها فِكْرُكَ النَّيِّرُ

***

وحَيَيْتُ عِيدَكَ عِيدَ الغَدِيرِ

وصَدْري مِنْ ألَمٍ مُوغَرُ

***

وقُلْتُ: ابْتلاءاتُ ذاكَ الزَّمانِ

كثارٌ، وأهْوَنُها الأوفَرُ

***

وإنَّ الأراجيفَ لمّا تَزَلْ

لَها مَوْردٌ، ولَها مَصْدَرُ

***

وإنَّ الرُّواةَ بما لَفَّقُوهْ

على المُسْلمينَ، وما زوَّرُوا

***

أرادُوا بأحْداثِها فِتْنَةً

إرْضاءَ ما سَرَّهُ أضْمَرُوا

***

إلى أنْ صَدّقتُ أحاديثُهُم

وقامَ على صِدْقِها مَخْبَرُ

***

فأيْقَنْتُ أنَّ انْتقاصَ الكمالِ

يُرَادُ.. وإعْدادَهُ يُؤثِّرُ

***

لذلكَ.. وللحَقِّ، لا يَسْتلينُ

عَدَتْكَ الخلافةُ والمَنْبَرُ

***

وقُدِّمَ مَفْضُولُها عُنْوَةً

وبالحَيْفِ فاضِلَها أخَرُّوا

***

ولوْ رَشَّحُوكَ إذنْ وُفِّقُوا

ولَوْ قَدَّمُوكَ إذنْ أوْجَرُوا

***

ولَوْ أنْصَفُوا كُنْتَ عِمْلاقَها

وكُنْتَ المُبَرَّزُ.. لَوْ أبْصَرُوا

***

فأذْعَنْتَ للأمْرِ عَنْ حِكْمةٍ

وصَبْرُكَ مِنْ غَيْرِهِ أجْدَرُ

***

فثارَتْ – ويا للهُدَى - فتْنَةٌ

تَضِجُّ، ومُشْكلةٌ تَزْأرُ

***

وما بَرحَتْ بحنايا الزَّمانِ

فماً صارخاً، وصَدى يَهْدرُ

***

فيالَكَ مِنْ شَرَفٍ باذخٍ

يُضامُ، ومِنْ أمَلٍ يُقبَرُ

***

ويالَكَ مِنْ لَهَبٍ صارخٍ

إلى الحَشْرِ أنفاسُهُ تَسْعَرُ

***

شبابَ العراقِ، وقلبَ البلادِ

إلى الجِدِّ عَن ساعدٍ شَمِّروا

***

وكُونُوا على حَذَرٍ يُتَّقى

فقدْ يأمَنُ الغَيبَ مَنْ يَحْذَرِ

***

ولا تَهِنُوا إنْ طَغَى عاصِفٌ

وإنْ ثارَ مِنْ رَهَجٍ عِثْيَرُ

***

وصُونُوا بلادَكُم.. مِنْ يَدٍ

تَعيثُ بها.. ويَدٌ تَغْدِرُ

***

وسيروا خِفافاً بأثْقالِكُمْ

فدَرْبُ العَقيدةِ مُسْتَوْعَرُ

***

فعندَ غَدٍ إذْ يحمُّ الوغى

ويَصْطَكُّ مِضْمارُهُ الأحْمَرُ

***

ويَبْرُزُ للمَوْتِ مَنْ يَرْتَمي

شَرَاراً عَلَيْهِ.. وَمَنْ يَصْبِرُ

***

سَيُعْلَمُ مَنْ فيهِ قد قَصرتْ

طُرُوفٌ، ويُعْلَمُ مَنْ يَقْصُرُ

***

فما سَرَّني أنَّ في الرَّافديْنِ

كما سائني أنَّها مِحْنَةٌ

*** 

كما ساءني أنَّها مِحْنَةٌ

نَعيشُ لَهَا، وبِها نُقْبَرُ

***

وأنَّا بإمْرةٍ مُسْتَعْمَرٍ

نُسَخَّرُ حيناً ونُسْتأجَرُ

***

وإنَّ صُنُوفاً مِنَ النائباتِ

يُخَيِّمُ كابُوسُها المُذْعرُ

***

وثَمَّةَ أمْثِلةٌ جَمَّةٌ

وسَيْلُ المهازلِ لا يُحْصَرُ

***

وعِنْدي مِنَ الهَمِّ ما لا يُطيقُ

تَحَمُّلَهُ الجَبَلُ المُوقَرُ

***

شُؤونٌ تُدالُ لِمُسْتَعْمِرٍ

ويُلْعنُ فيهُنَّ مُسْتَعِمِرُ

***

يحاوِلُ إظْهارَها مُضْمِرٌ

ويَجْهَدُ إظْمارَها مُظْهِرُ

***

فلا هيَ تَبْدُو كما يُرْتجى

ولا هِيَ – فاجِرَةً - تُسْتَرُ

***

تَضُجُّ المَهازلُ مِنْ هُزْئِها

ومِنْ كَيْدِها يَخْجَلُ المُنْكِرُ

***

فَبَيْعٌ يُساوِمُهُ تاجِرٌ

وبَيْعٌ يُصَرِّفُهُ مَتْجَرُ

***

وأمْرٌ يُحاكُ على غِرَّةٍ

وأمْرٌ على مَلأٍ يُشْهَرُ

***

ووضْعٌ يُسيءُ، ووضْعُ يَسُرُّ

ووضْعٌ عَوَاقِبُهُ تُنْظَرُ

***

كما اخْتَصَرَ السَّارقُونَ الطَّريقِ

يخافُونَ مِنْ فَلَقٍ يُسْفرُ

***

وهاتيكَ فَلْسَفةٌ مُرَّةٌ

مآسي الحَياةِ بها تُسْطَرُ

***

فَطَوْراً يُباركُها مُوسِرٌ

وطَوْراً يُحاربُها مُعْسِرُ

***

فإنْ جِئْتَ مُنْتَقِداً سَيْرَها

بما فِيهِ قد يَصْلُحُ الأكْثرُ

***

رَمَوْكَ بما يَضْحَكَ الجاهِلُونَ

عَلْيِهِ، ويَسْخَرُمَنْ يَسْخَرُ

***

وقالوا (مُؤامَرةٌ) جُدِّدَتْ

وأسْماؤُهُمْ في غَدٍ تُنْشَرُ

***

فقُلْ لي: برَبِّكَ ماذا تَرَى؟

أنَصْمُتُ في الحقِّ، أمْ نَجْهَرُ

***

سَلامٌ على غَدِنا المُرتَجَى

سَلامٌ على الزَّحْفِ إذْ يُنْفرُ

***

سَلامٌ على سائرٍ في المَدى

حَثيثٍ.. وهِمَّتُهُ أكْبَرُ

***

ولَيْسَ على تائهٍ تافِهٍ

على كُلِّ قارعةٍ يَعْبُرُ

***

ولَيْسَ على خانِعٍ خاضعٍ

يُقدِّمُ خَطْواً، ويَسْتأخِرُ

***

سَلامٌ على مُسْلِمٍ ناقِمٍ

على الوضْعِ أخطارُهُ تَنْذِرُ

***

ولَيْسَ على مُسْلمٍ كاذبٍ

بجِنْسيَّةٍ دِينَهُ أشَّرُوا

***

سَلامٌ على المُسْلمينَ الأُلى

إذا الشَّرُّ طاولَهُمْ زَمْجَرُوا

***

على رائدي شَرَفٍ يُصْطْفى

على ذائدي ذلَّةٍ تَقْهَرُ

***

مَصاليتُ إنْ جَدَّ يَوْمَ الوغَى

وإنْ حَمَّ مَرْجِلُهُ كَبَّرُوا

***

مناحيدُ في حين لا مُنْجِدٌ

مُساعيرُ في حينِ لا مُسعرُ

***

أولئكَ مِنْ عِزِّهِمْ عِزُّنا

ومَجْدِهِمْ مَجْدُنا الأوْقَرُ

***

ولا بُدَّ مِنْ أمَلٍ باسِمٍ

يُباكِرُهُ عارضٌ مُمْطِرُ